رحيل غاندى القبطى

2 سبتمبر 2010

غاندى قصة كفاح معروفة للجميع، كافح بالسلم ضد الظلم والطغيان.. ضد استعمار لم تشرق الشمس على مستعمراته فى العالم أجمع، كافح غاندى بأسلوب سلمى لم يرفع سلاحا قط، وكانت آلام غاندى ليست من الاستعمار فقط، بل من المتطرفين من بنى جلدته.. وأخيراً اُغتيل على يد واحد منهم.

غاندى المصرى لم يحمل سلاحا قط متبعا قول سيده \"طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون\"، كان منادياً بكلمات الحب والسلام للجميع، حب عملى ليس من خلال أقوال، بل أفعال للمسنين والمقيدين بأمراض جسدية، مضحياً بوقته لأبناء وطنه دون تفرقة فى شكل أو لون أو دين، باذلاً من صحته وعلمه وفكره لأبناء مصر وأبناء منطقته بشبرا.. رشح نفسه للعضوية فى مجلس الشعب فى سبعينات القرن الماضى عن دائرة شبرا، وهبه الله فن الخطابة فكان خطيباً وطنيا متفوهاً لكل المصريين مسلمين وأقباط، فأسس جمعية الكرمة الخيرية للمكفوفين والمسنين بميزانية 8 جنيهات فقط فى ذلك الوقت \"الآن لعلها وصلت أكثر من مليون\"، وصدر له ما يقرب من أربعين كتاباً ونال وساما من سيدة مصر الأولى فى ذاك الوقت جيهان السادات فى الإنجاز الاجتماعى، كما نال شرف سجنه فى أحداث سبتمبر عام 1981 التى من جراها جازت الجمعيات الإسلامية الرئيس المؤمن جزاء سينيمار.

قصة نضاله مثل رائع فى حب الوطن شارك فى أربعينات القرن الماضى كعضو فى حزب مصر الفتاة \"الذى كان ينادى باستقلال مصر واعتمادها على نفسها\"، وكان الساعد الأيمن لأحمد حسين، مؤسس حزب مصر الفتاة، فكان يُلقى خطبه فى التجمعات المسيحية والإسلامية منادياً بضرورة اعتماد المصريين على أنفسهم، ورشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب عام 71، فنجح رغم أن منافسه كان وزيرا سابقا ليس من أبناء شبرا، مختلفاً عن عقيدته.

كافح فى نضال سلمى ضد أصحاب الفكر المتطرف راغبى تمزيق الجسد المصرى \"الذين فتحت لهم أجهزة الإعلام المصرية أحضانها أسبوعياً!!\"، لزرع الكراهية والحقد والتفرقة بين أبناء الوطن، محاولين النيل من العقيدة المسيحية بطرق ملتوية وبجهل مفضوح وضحالة فكر وسوء نية.

إن غاندى المصرى هو القمص بولس باسيلى \"فؤاد بك باسيلى- قيل رسامته كاهن\" هو نفسه الخطيب المفوه.. الأسد فى دفاعه عن عقيدته أمام من حاول النيل منها.. الذى طلب من التلفزيون المصرى إعطاءه فرصة للدفاع عن العقيدة المسيحية ضد الموتورين بفكر متخلف.. لم يوافق التلفزيون المصرى.. ومن عجب العجاب أن تمويل التليفزيون المصرى ووزارة الاعلام من مشاركة الأقباط فى فى دفع الضرائب، ومن الغريب أن تعطى فرصة للنيل من عقيدة الأقباط من أموالهم!! - هذه هى مقاييس العدل على أرض المحروسة بدماء استباح التطرف نخاع مصر.

فى دفاع سلمى عن عقيدته لم يجد بُداً أفضل من طبع ثلاثة كاسيتات للرد على الجهلة أصحاب فكرة أن الأقباط يعبدون ثلاثة آلهة، أو زواج السيد المسيح من خمسة نساء أو عشرة.. أتذكر أن الكاسيتات الثلاثة الذين سجلهم فى ثلاثة عظات للدفاع عن العقيدة المسيحية أصبحوا علامة مسجلة لكل بيت مسيحى، فكان والدى شخصياً رحمه الله يطبعها ويعطيها لكل أخ مسلم صديق له ليدرك بنفسه مدى جهل شيوخ الفتنة.

وأتذكر والدى عندما كان يجلس مساء كل يوم بشرفة منزلنا ويضع كاسيت تلو الآخر ليستمع له لساعات متأخرة فى انسجام عجيب.. ربما ليسمعه لأحد المتطرفين فيدرك مدى خطأه، رحل عن عالمنا الفانى يوم 19 يوليو من هذا العام أب فاضل ومميز وخطيب مفوه ووطنى من طراز نادر، أب كاهن أحب مصر للنهاية... خطيب لمصرى أصيل... مؤمن بضرورة حب مصر، واعتماد مصر على ذاتها، نشر الحب من خلال أعماله للمكفوفين والمرضى وذوى العاهات مسلمين وأقباط، رجل رحل عن عالمنا تاركاً إرثاً روحياً ووطنياً وتعليمياً حوالى أربعين كتابا نمتلئ بهم من الروحانية والوطنية.

أبينا الغالى لقد رحلت عنا بعد رحلة كفاح برهنت على حب للوطن وللكنيسة، كنت رمزا للوطنية الحقة وأمينا فى انتمائك لمصر وترابها الغالى.
ففى دفاعكم عن الكنيسة انطبق عليكم قول الشاعر\" (أيها الجاهل رويداً... قلِّب التاريخ تفهم.. كل قبطى وديع.. إنما فى الحق ضيغم...) كنتم ضغيمًا ثائراً ضد الظلم، وكنت وطنياً فصيحاً، وكنت علامة لكل من سمعك، كنت أمينًا فى القليل فادخل لفرح سيدك.
اذكرنا فى صلاتكم أمام العرش الإلهى.